أ. وسام الشغري
تُعد رواية “غريق جنة الإغريق” للكاتب رواد العوام عملاً روائياً من الطراز الرفيع، حيث يغوص بالقارئ في أعماق مأساة الهجرة السورية، مقدماً لوحة فنية واقعية بأبعاد إنسانية عميقة.
بمجرد أن تطأ قدم القارئ عوالم الرواية، يجد نفسه مُتعايشاً مع مصائر ثلاثة شبان سوريين؛ نديم، وصفوان، وعماد، مع تباين عاداتهم وطباعهم، جمعهم حلم واحد هو الهرب من جحيم وطن أرغمهم على السفر، رغم إدراكهم أن الخطر المحدق يفوق بأضعاف حلم النجاة الذي ترنو أعينهم إلى تحقيقه.
شخصيات تنبض بالحياة وحوارات من عمق المجتمع
يتميز أسلوب الكاتب بقدرة فذة على ولوج روح كل شخصية، ما يمنحها بعداً حياً وكأن القارئ يشاهد فيلماً سينمائياً بدلاً من قراءة نص. التباين الأخلاقي والطباعي بين الأبطال الثلاثة (نديم المثقف الواعي، صفوان الرمادي، وعماد القميء المادي) يشكل محوراً درامياً غنياً. وكأن العوّام جعل شخصياته تنبض بالحياة.
اعتمد العوام على وصف دقيق للأمكنة، وعلى حوارات تنم عن عمق أو ضحالة كل شخصية، ما يجعل القارئ يشعر بأنه يسمع حديثاً يدور في محيطه اليومي؛ في الحارة، أو العمل، أو المنزل.
اختراق جدار الأنثى
تتعرض الرواية بجرأة لنظرة المجتمع العربي للمرأة، التي يغلب عليها التأطير المادي. لكن المؤلف، ببراعة، يصور عوالم الأنثى الداخلية، وكأنه اخترق جدار مشاعرها وترجمه على الورق، خاصة في شخصيتي أوليفرا وإنطوانيب العاشقتين.
استغلال الضحايا وتكريس للظلم
تسلط الرواية الضوء بوضوح على التكالب على الشعب السوري في ظل الأزمة، حتى من أبناء جلدتهم. يتجسد هذا الاستغلال في شخصية “أبو طارق” الذي يستغل الشباب الثلاثة، ليتكرر الأمر لاحقاً في تركيا.
تتجسد قسوة الواقع في النهاية الصادمة التي تقرأ على أنها تكريس لمقولة “البقاء للأقوى.”.
عماد، الشخصية المادية القميئة، يزداد ثراءً بقراره البقاء في مرمريس التركية ليتاجر بالمهاجرين السوريين.
صفوان، الشخصية الرمادية، يهاجر إلى بلاد الاغتراب محافظاً على حياته الحيادية.
نديم، المثقف الواعي الهارب من الحرب بحثاً عن السلام الداخلي، يموت في البحر.
رواية واقعية بمقاييس خيالية
تُقدم “غريق جنة الإغريق” عملاً واقعياً بمقاييس خيالية، بأسلوب بعيد عن التكلف وتصوير فذ. إنها شهادة أدبية عميقة ومؤثرة، تبدو في شكلها النهائي كـ لوحة فنية أبدعتها ريشة رواد العوام.
الرواية صادرة عن دار مدارك وهي من القطع المتوسط، وهي الرواية الثانية للعوام.



لا تعليق