النّاقدة إلهام شقير

بأدوات سردية ووعي لغوي عال تنبثق من جماليات بلاغيّة تحفر عميقًا في النفس البشرية تعالج الكاتبة هدى فردان التحوّلات النفسية والاجتماعية التي تعيشها شخصيات روايتها “سيرًا على الأوهام” في بيئة تفتح نوافذ تطلّ على الداخل المتألّم.

عكست فردان التوتر الداخلي للشخصيات بأسلوب بسيط في لغته مكثف في دلالاته، وبلغة شفّافة رقيقة لتأتي الحوارات مفعمةً بالمشاعر تلامس نفس القارئ بجمالها وصدقها وحرارة انفعالاتها.

تتّسم لغة النص برهافة شعرية عالية تتداخلُ فيها الصور البلاغية مع التوصيف النفسي والعاطفي العميق، ما يعكس قدرة الكاتبة على تطويع اللغة لتكون أداةً فنيةً توصل الإحساس الداخلي بأسلوب راقٍ يترك أثره عميقًا في الوجدان.

أما الشخصيات فقد بنتها فردان بأسلوب عميق يجعلك تتحاور مع الشخصيات وتوقن أنها حقيقية لا نسجٌ من خيال الكاتب، فأبطال الرواية ليسوا ابطالًا نمطيين، بل شخصيات مهمّشة تصارع الواقع وتتحدّى الخيبات لتستطيعَ إكمال المسير.

أبدعت فردان في إظهار الأثر الوجداني والنفسي للطفولة القاسية وما يتركه من آثار بعيدة، وصورت ذلك من خلال البطلة سارة التي عاشت عالماً داخليًا مضطربًا، بسبب التجاهل العاطفي من قبل الأم والأب والأخوة، ما جعلها تخلق ظلًا يكون رفيقها ومؤنسًا لها لكنه تحوّل إلى لعنة يبّبت لها هشاشةً نفسيةً واضطرابًا رافقها مدى حياتها.

عالجت فردان بطريقة أقرب ما تكون إلى الواقعية عبر وجود الزوج سالم في حياتها الذي أوصلها إلى طريق التعافي، بعد أن اكتشفَ إصابتها بمرض الذهان الفصامي.

جعلت فردان بطلتها كيانًا شديد التعقيد بين المرض والوعي، بين الحب والرفض، بين الرغبة في الشفاء والخوف من فقدان الذات. أما سالم فحولته الكاتبة إلى بطل نادر، فهو مهندس إضاءة ناجح، كان مبعث النور في ظلمة حياة سارة، وقد وُفقت فردان في جعله رمز الأمان والحماية لسارة من نفسها ومن الكيان الذي احتلّ عالمها.

تعبّر الكاتبة عن الشفاء كرحلة داخليّة تعتمد على الحبّ والذات والإيمان العميق والقبول والانبعاث من الرماد، إنها رحلة نفسية جالت فردان في كل دواخلها لتبدع هذه التحفة الفنية ببناء متكامل وسرد عميق.

كانت الكاتبة كما بطلها سالم؛ مهندسةً في تركيب الألفاظ ورسم الصور بدقة وتحويل الكلام المجرد إلى استعارات صاغتها بأسلوب نفسي.

أنهت الكاتبة روايتها بأسلوب خاص بنمّ عن قدرة عميقة لقراءة ما بين السطور، لتخبرنا بأنها ليست مجرد رواية بل سرد نفسي لواقع تعيشه فتيات كثيرات وسط عالم يتجاهل حقيقة المشاعر.

عن الناشر

أ. إلهام عطالله شقير
أ. إلهام عطالله شقير

أستاذة في الأدب العربي

Darsiyaqمؤلف

كن دائماً داخل السياق الممتد من البداية إلى اللانهاية.. نحن دار نشر سعودية مهتمة أن تكون أنت الجزء الأساسي من سياق الثقافة.. دار السياق ..دار نشر ترى مهنة النشر من منظور جديد.. وزاوية جديدة..

1 تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *