القبيلة التي تضحك ليلاً للكاتب سالم الصقور

رواية ورقية 2024

مسكلياني

مقالة

رواد العوام- كاتب وناقد سوري

هنا -في هذه الرواية -سؤال مربكٌ جداً!

وربما تريد معرفة السؤال، ولكني ومن باب حبّي للطريقة الرأسمالية الرخيصة في التسويق تركتهُ لغماً؟ لغماً لا مناص لك من أن تدوس فوقه أو بتعبير أكثر دقةً فلا فرار من أن ينفجر تحت لسانك؟

ومن أرسطوطاليس وصولاً لأنشتاين لم يستطع أحدٌ الإجابة عن ذلك السؤال!

ومن ستيفن هوكينغ وصولاً لأفلاطون لم يستطع أحدٌ الإجابة عن ذاك السؤال!

وحدهُ بطل القبيلة التي تضحك ليلاً استطاع!

ومثل كثيرٍ من الأعمال الرائعة، كان لدى (القبيلة التي تضحك ليلاً) استرتيجيةٌ مغايرةً في المعركة الفنية استخدمت فيها سلاح المفاجئة الفنية.  فأدخلتنا كقرّاء للفخ الاستراتيجي أو دعونا نسميه اصطلاحاً “الكتابة بالشعوذة”. فأنْ يجرك نصٌّ بكل هذه الحرفية ويضعك في المكان المخصص للجلوس وينهب رقادك، فهذا بلا شكٍّ هو شعوذةٌ من الكاتب أو كتابةٌ بالشعوذة.

حادثةٌ بسيطة ويومية، لا يمكن لها أنْ تحرِّك بك سوى ألمك البشري اليومي، فآلاف القصص الشبيهة تعرفها، وتعرف آلاماً أكثر تعقيداً وأعمق جرحاً. ولكن تدخلاً عبقرياً للكاتب من خلال نقل القصة من العاديّ إلى الملحميّ ومن المُتداول إلى غير المتداول ومن اليوميّ إلى الفلسفيّ جعل الأمر ساحة تصفية للوعي والمفاهيم والآراء المعلبة المستوردة وللقيم التي شربناها مع حليب الطفولة. وهذا التدخل العبقري هو كلمة سرّ الإبداع البشري، الذي يفكك الصورة المكتملة في عينيك ويعيد تركيبها بما يؤيد ما يريد، وهذه الطريقة العبقرية بنقل اليومي من ضفة البديهية لضفة المختبر، وهذا التدخل أيضاً هو الذي يعيد انتاج الوعي على قياس جنرال الفكرة المنتصر، ليخرج بك هذا الجنرال من عوالم الحدث العادي ويدخل بعوالم الحدث غير العادي مخترقاً جدار الصوت للفهم العام الساذج.

وحده ابن سعدى -بطل القبيلة- يمكن أنْ يفكَّك نظام القبيلة، ويقلب الطاولة على المفاهيم بشكلها المتداول القادم من ستة ألاف عامٍ في المجتمعات الزراعية الأولى، ويقلب ويفكك المفاهيم المعلبة القادمة كمفاهيمٍ سائلةٍ من شوارع واشنطن النظيفة بهمّة العبيد.

وحده ابن سعدى – ضحية القبيلة- يمكن أنْ يعطيك مفتاح حالة الاغتراب الفردي في المجتمع الاستهلاكي المعاصر الذي لا يفصلك فيه عن عام الفيل سوى رنة الآيفون.

ووحده ابن سعدى-منفي القبيلة- يطرح ويناقش الوجود والأبوة والأمومة كمفاهيم قبليةٍ أو مفاهيم تعيد إنتاجها واستهلاكها القبيلة بشكلٍ مغاير لما يحدث في تجمعاتٍ بشرية أخرى، فالقبيلة – كما يؤكد منفيّها- هي التي تريد منك أنْ تترك لها سلالتك لتصبح أكثر قوةً، فأنت خائنها الخفي في حالة عقمك، والمتمرد على صلابتها إن لم ترفدها بضحايا جدد تباهي بهم ضحايا القبائل الأخرى، ليزيد عدد القادرين على الأخذ بالثأر في الجهتين.

ووحده ابن سعدى- كاتب القبيلة- يعيد لنا تعريف الكلمات المفتاحية لحياتنا كالفقد والحزن والاغتراب والخوف والعزلة والانتماء والوطن والطفولة والأبوة.

وربما كانت استراتيجية التساقط –بالذات- هو ما ينظِّرُ له كاتب العمل، فعلى طول النصّ ليس هناك سوى حالةٍ من شرح نظرية، نظريةٍ وجودية عميقة، وسأسمح لنفسي أن أسميها نظرية التساقط -تساقط المفاهيم والقيم- أو لنقل استراتيجية الانهيار لنظام الحياة المعاصر مقابل انهيار المجتمع القديم المنهار أصلاً.

وبسخريةٍ هائلةٍ ومثل سيارةٍ أمريكيّة ثقيلةٍ تعبر فوق جثتك الهامدة، يبيح ابن سعدى للقبيلة أن تعبر فوقك، تلك التي تظنُّها تضحك ليلاً لولا صوت النحيب الذي يخرج متل الدود من بين الكلمات.. ويتركك فريسةً للترقُّب وكأنَّ قطار الحدث سيمر ويتركك وحدك في محطة انتظارٍ بين نجران والرياض. فلا يمكن أنْ تدير ظهرك لسطرٍ واحدٍ، فلا أدري أيّ فصيلٍ من الجن كتب مثل هذه التعويذة، فإنْ كنتَ لم تسمع بالنص السائل فالقبيلة التي تضحك ليلاً هي صورةٌ شخصيةٌ له، هي روايةٌ ستجعلك تلمسه وتشمه وتذوقه من خلال طريقةٍ تجعلك عاجزاً عن أنْ تقبض على أيّ حقيقةٍ في النص، فالشكُّ وعدم اليقين هي لعبة الكاتب التي بنى عليها لعنته.

وبعيداً عن التوصيف الإنشائي، وبالدخول إلى لحم النص فإنَّك تجد بنيةً فنيَّةً مكتملة وصادقة، عمل غارقٌ في واقعيته، يريك المكان بتقنية HD وأعتقد أنَّ الكاتب لم يرد بوصفه مكان الرواية وزمانها أن يترك للقارئ شكَّا بحدوث الحدث وبصدقه الفني، وهذه عادة كثير من المؤلفين في لعبة الإيحاء بالواقعية المفرطة كجزء من الإقناع بالفكرة، فكأنّ الكاتب كان يحمل مسطرةً ويقيس فلا شيئاً عبثياً قيل، أو كأنه يحمل ميزاناً للخردل فيقحم الوعي بالكلمات بطريقةٍ دقيقةٍ واستفزازيةٍ ولادغة ومفاجأةٍ وغير متوقعة.

يدور العمل في وقتٍ محددٍ وجغرافيا محددة ولعبةٍ نصية –فنية محددة والهدف الوصول للحقيقة المحسومة، حتى ولو كانت حقيقةً على شكل سؤال.

يتركك علي بن سعدى أمام خيارين لا ثالث لهما أمَّا التورّط في نهش النص أو توريط خيالك بنهش الفكرة خارجه، وبين النص الوحشي والتخييل يمشي الكاتب بهدوء قاتلٍ متسلسل ليربط القارئ بحبل فولاذي من الانتظار، وعلى طريقة الساموراي الياباني يمهد الكاتب أرض النص لمعركةٍ نظيفةٍ بين علي بن سعدى ممثلاً وحيداً للخائبين في الكوكب وبين الخيبة كممثل وحيد لنفسها. وعلى طريقة الساموراي لن يتركك ابن سعدى حتى يقتل أحدكما الآخر.

إنَّ أول ما يمكن أن ترصده في النص أنَّه نصٌ لا يُهضم بلا مضاد تشنّجٍ للمعدة، وعلى طريقة المشعوذين ففي كلّ صفحةٍ في الرواية ستضطرُّ للتوقّف على يمين طريق السرد وكأنَّك أضعتَ هاتفك المحمول. وستعود لما كنتَ تقرأ وستعيد القراءة بتأنٍ أكثر.. وهنا ستكون وجهاً لوجه مع ما يسمى في النقد الأدبي ” باللغة المتفجرة” والدلالة غير النهائية” ووصف غير المحسوس بغير المحسوس، أو ما يسمى في العلوم العسكرية التصويب بكامل القوة النارية في منتصف الهدف.. والهدف هنا أن تقرأ النص وتصفق.

هنا ستعيدك الرواية للسؤال المربك جداً!

وربما تريد معرفة السؤال، ولكني ومن باب حبي للطريقة الرأسمالية الرخيصة في التسويق تركتهُ لغماً؟ لغماً لا مناص لك من أنْ تدوس فوقه أو بتعبير أكثر دقةً فلا فرار من أنْ ينفجر تحت لسانك؟

ومن أرسطوطاليس وصولاً لأنشتاين لم يستطع أحدٌ الإجابة عن ذلك السؤال!

ومن ستيفن هوكينغ وصولاً لأفلاطون لم يستطع أحدٌ الإجابة عن ذاك السؤال!

وحده علي بن سعدى -مؤلف القبيلة التي تضحك ليلاً – استطاع ذلك….

 

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *