تاج مليح

في رواية “أحلام بيضاء لشعب أسود” للكاتب حمود بن عبد الرحمن الشريف، تُنسج الحكاية بخيوط من الألم والأمل معًا، لتقدم صورة مكثفة عن الإنسان الإفريقي وهو يصارع قسوة الحياة في سبيل تحقيق الحلم، أيًّا كان الثمن.
الرواية سرد لأحداث واقعية، فهي مرآة لوجع الإنسان، تطرح أسئلة عن معنى الإنسانية في عالم يفتقد الرحمة.

تبدأ الحكاية مع إدريس محمد، فتى من أقاليم إثيوبيا، وُلد في بيئة قروية يطغى عليها الفقر، حيث لا يُوزع الأمل بعدل، بل يُقسم البؤس بين الجميع بالتساوي. يفقد إدريس في طفولته أخاه الصغير وأخته الكبرى في حوادث مأساوية، ليكبر وهو مثقل بفقدٍ مبكرٍ يعلّمه أن الحياة لا تُنصف أحدًا. ومع كل مأساة، كان ينبت في داخله حلم جديد: أن يصبح صحفيًا يحمل قلمه سلاحًا في وجه الظلم، وأن يروي حكايات أولئك الذين لا يُسمَع لهم صوت.

تتعمق الرواية في وصف حياة الريف الإثيوبي، حيث الفقر والجهل والتفرقة القبلية تصنع واقعًا خانقًا. ومع ذلك، يظل إدريس متمسكًا بحلمه رغم كل الخسارات. وحين يشتدّ عليه اليأس، يتحول الحلم إلى فعل، فيقرر الهجرة نحو المجهول، نحو “الفردوس الموعود” كما كان يصف السعودية في خياله. تلك اللحظة تمثل انعطافته الكبرى؛ إذ يغادر وطنه بخطوات ثقيلة، لكنه يحمل في صدره أملاً أبيض لشعبٍ أنهكه سواد الحياة.

خلال الرحلة، تتبدى الرواية في أوج إنسانيتها. يرافق إدربي مجموعة من الشباب الحالمين بالنجاة، لكن الصحراء تبتلع أحلامهم واحدًا تلو الآخر. بين العطش، والتهريب، والخداع، والموت الذي يترصّدهم في كل خطوة، يُدرك إدريس أن الطريق إلى الحياة مفروش بجثث الحالمين. فالهجرة هنا ليست انتقالًا جغرافيًا، بل امتحان روحي بين الإنسان وقدره، بين الرغبة في النجاة والقدرة على البقاء إنسانًا وسط الوحشية.

لغة الرواية شاعرية مكثفة، تنأى عند الأسلوب الجاف، تمتزج فيها الصورة الشعرية بالسرد الواقعي، لتجعل من كل مشهد لوحة ناطقة بالوجع. الكاتب لا يقدم بطلًا خارقًا، بل إنسان بسيط يحاول النجاة من عالمٍ خذله. وفي خلفية الأحداث، يلوح سؤال الوجود: هل يمكن لحلمٍ أبيض أن يزهر في أرضٍ سوداء مثقلة بالظلم؟

تنتهي الرواية كما بدأت: بالحلم. لكنه هنا حلم مكسور، لا يطلب المجد، بل النجاة. حلم إنساني يختصر مأساة شعب بأكمله؛ شعب يسير في العتمة حاملًا في قلبه ضوءًا صغيرًا لا ينطفئ. وهكذا يتركنا الكاتب أمام حقيقةٍ مرةٍ وجميلةٍ في آنٍ واحد: أن البياض لا يعني النقاء، والسواد لا يعني الخطيئة، وإنما كلاهما لونٌ من ألوان الإنسان حين يحلم.
الرواية من القطع المتوسط وهي صادرة عن دار السياق.

عن الناشر

أ. تاج مليح
أ. تاج مليح

كاتبة محتوى_ منصة جدل

Darsiyaqمؤلف

كن دائماً داخل السياق الممتد من البداية إلى اللانهاية.. نحن دار نشر سعودية مهتمة أن تكون أنت الجزء الأساسي من سياق الثقافة.. دار السياق ..دار نشر ترى مهنة النشر من منظور جديد.. وزاوية جديدة..

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *